البُر من أحد المنتجات الزراعية الأهم في قمم سروات منطقة عسير؛ والذي ساعد في كونه محصولاً سنويا مهما تعتمد عليه مقومات الحياة في عسير ما تملكه طبيعة المنطقة من تربة خصبة، ومواسم ممطرة، وسواعد قوية لمواسم حصاده.
عملية انتاج البُر ليست ظاهرة زراعية واقتصادية في منطقة عسير وحسب؛ بل أنها تُعتبر طقسًا اجتماعيا وثقافيا ملهما تعيشه الأجيال عامًا بعد عام. فبدءا من مرحلة تهيئة الحقول لموسم البِذار يكون العمل جماعيا في تقليب التربة، واختيار البذور الأكثر قابلية للنمو والصمود حتى موسم الحصاد.
وبعد ستة أشهر من البِذار يحين موسم الحصاد الذي يعرف في عسير بموسم "الصريم" الذي كان يتم قديما بطريقة يدوية باستخدام "المحش" أو "الشريم" ثم أصبح يعتمد فيه على الآلات الحديثة كالحراثة ومكائن الحصد المتطورة بعدما سُهلت الطرق لدخولها بين المدرجات الزراعية العالية.
عندما تصفر سنبلة القمح ويكتمل نموها تُنقل إلى المكان المخصص لعملية "الدويس" وهو ما يعرف باسم "الجرين" الذي يكون مكانا متسعا ومستويا بين منازل القرية أو بين الحقول. كانت السنابل تُداس قديما باستخدام المواشي أو صخور كبيرة، وفي الوقت الحالي بالحصادات التي تملأ يدويا. ثم تفصل البذور عن "الحثى" بعد تعريض المحصول للشمس بما يعرف باسم "التشريق" لمدة أربعة عشر يومًا. وفي أثناء عملية "الدويس" و"التشريق" يعيش المجتمع العسيري تظاهرة اجتماعية بتعاونهم جميعا وانتقالهم من جرين لآخر لمساعدة بعضهم البعض، ترافقهم الأهازيج والرقصات الحماسية.
تتفاوت أنواع البر الذي يزرع في قمم عسير كمنتج "الصيب" الذي تمتد فترة زراعته لخمسة أشهر، أو منتج "القياض" الذي يمتد لثلاثة أشهر ويزرع في موسمي الصيف والشتاء. يتميز البر العسيري بلذة طعمة، ونقاء لونه، وقيمته الغذائية العالية، وكان مصدرا غذائيا مهما يدخل كمكون رئيسي في أغلب الأطباق العسيرية وإن اختلف بقية مكوناتها من ماء أو لبن أو حليب. كخبز الميفا، والتصابيع، والعريكة، والعصيدة. البر يُثري المائدة في عسير، ويمد الجسم باحتياجاته الغذائية، ويسهم بشكل فاعل في الاستدامة البيئية والاقتصادية للمنطقة.